يحكى أن رجلاً كانت وظيفته ومسؤوليته هي الإشراف على الأباريق لحمام عمومي.. والتأكد من أنها مليئة بالماء بحيث يأتي شخص ما ليأخذ أحد الأباريق لدخول الحمام.
ثم يرجع الإبريق بعد أن ينتهي من الحمام.. إلى صاحبنا، الذي يقوم بإعادة ملئها للشخص التالي.. وهكذا.
في إحدى المرات؛ جاء شخص وكان مستعجلا فخطف أحد هذه الأباريق بصورة سريعة وانطلق نحو دورة المياه.. فصرخ به مسؤول الأباريق بقوة وأمره بالعودة إليه، فرجع الرجل على مضض، وأمره مسؤول الأباريق بأن يترك الإبريق الأحمر الذي في يده ويأخذ آخر بجانبه، لونه أسمر، فأخذه الشخص، مكبّرا عقله..ثم مضى سريعا لدخول الحمام، وحين عاد؛ لكي يسلّم الإبريق سأل مسؤول الأباريق: لماذا أمرتني بالعودة وأخذ إبريق آخر مع أنه لا فرق بين الأباريق، الحمر والسود..؟! فقال مسؤول الأباريق بتعجب: إذن ما عملي هنا؟! أنا هنا، أنا المسؤول، والمسؤول أنا..!
والشاهد:
مسؤول الأباريق هذا.. يريد أن يشعر بأهميته وبأنه يستطيع أن يتحكم وأن يأمر وأن ينهى.. يريد أن يفكّ عقده.. في خلق الله..!
مع أن طبيعة عمله لا تستلزم كل هذا الصخب.. ولا تحتاج إلى التعقيد، لكنه يريد أن يصبح سلطان الأباريق.. وزير الأباريق.. المسؤول الأول عن أي شيء حتى لو كانت الأباريق على باب حمام عمومي..!
مسؤول الأباريق، موجود بيننا وتجده أحياناً في الوزارات أو في المؤسسات أو الشركات... في الجامعات أو المدارس أو في المطارات، بل لعلك تجده في كل مكان تحتكّ فيه مع الناس!
ألم يحدث معك، وأنت تقوم بإنهاء معاملة تخصّك، أن تتعطل معاملتك.. لا لسبب إلا لأنك واجهت مسؤول الأباريق الذي يقول لك: اترك معاملتك عندي وتعال بعد ساعتين، ثم يضعها على الرف وأنت تنظر، مع أنها لا تحتاج إلا لمراجعة سريعة منه..
ثم يحيلك إلى الشخص الآخر..! ولكن كيف يشعر بأهميته إلا إذا تكدست عنده المعاملات وتجمع حوله المراجعون.. أواصطفوا أمامه واقفين.. متباعدين..حتى لو كان معهم أرقام.. إنه سلطان الأباريق يبعث من جديد.. فينا.. كل يوم..!
---
إنها عقدة الشعور بالأهمية والنرجسية والغرور والطاووسية.. ومركّب النقص.. بالقوة والتحكم بخلق الله!
يقول وزير زراعة مصري.. سابق.. مشكلتنا: أننا نعيّن خريج كلية الزراعة.. ونكلّفه بمهمة حقلية، ميدانية.. فيأخذ معه مكتبه.. ليجلس عليه في الغيط.. يتآمّر على العمال فيه.. مدّعيا أنه مهندس زراعي، وحتى مهندس من دون زراعي.. !
النفخة الكذابة آفاتنا.. وليس دودة القطن...! ومن ثقافة سلطان الأباريق التي تنسحب أيضا على الكثير ممن نقع لسوء حظنا تحت مسؤوليتهم.. ألّا يبدأون السلام والتحية، عليك أنت أن تبدأ بالسلام على المسؤول، حتى لو كان هو من ينزل الدرج (السلالم) وأنت تصعدها..!
ومن مبادئهم عدم الابتسام وتصنّع التجهّم والشدة وتعقيد الأمور ومركزيتها.. والتنمّر..، وادّعاء المشغولية دائما، فالمرء منهم غير سوي..يمكن أن يغرق في شبر ميه.. ولا أريد أن أقول في بز.قة..! يتأفف ويتبرم دائما من ثقل المسؤولية..الملقاة على عاتقه..! ومن كثرة الاتصالات به.. والرسائل الإلكترونية إليه.. وإذا وقّع عشر أوراق متالية، أو قرأ عشر رسائل الكترونية قصيرة.. يشعرك كأنه حرّر القدس.. من براثن الصهيونية..!
مسؤولو القلل.. يمثّلون.. لكي يوهموك بأنهم مهمّون، علما أن أهميتهم تنبع من كراسيهم ومن الأباريق والقلل.. قللل الشعب.. أكثر من ذواتهم!!
والدنيا حظوظ..! ولقد جاء في الحديث الشريف: (اللهم من رفق بأمتي؛ فأرفق به، ومن شقّ على أمتي، فشقّ عليه).
والحديث صحيح، ومع هذا أو ورغم هذا تستغرب من ميل بعض المسؤولين.. إلى الشدة وإلى التضييق على عباد الله في كل صغيرة وكبيرة..!
للأسف؛ نحن... إلّا ما ندر لا نفكر بالرفق أو اللين أو خفض الجناح، والعفو عند المقدرة، بل نعتبرها من شيم الضعفاء، الفقراء..
نحن، يا غالب.. يا مغلوب.. والغلبة لطويل اللسان غالبا..!
الاحترام المتبادل.. لا نعرفه كثيرا.. ولَم نتربّى عليه..!
وسامحونا، فدعوتنا.. مجرّد دعوة لتبسيط الأمور لا تعقيدها ولتسهيل الإجراءات لا تشديدها وللرفق بالناس الغلابة المساكين.. لا أن نشق عليهم..
أنا شخصيا شبعت ظلما وطغيانا، منذ وعيت حتى الآن، لذا لا أريده لغيري..!
آه كم نحن بحاجة للتخلص من عقلية مسؤول الأباريق.. والقلل..!
مأخوذة بتصرف من حكاية شعبية...مصرية قديمة..